القرآن يتجلى في عصر العلم
ظاهرة اتساع الكون
الدكتور عماد الراعوش
كثيرا ما اشتغل العلماء في البحث في أصل الكون وكيفية تشكله, وما إذا كان له بداية ونهاية أم لا, ولا شك أن هذا البحث كان من أصعب الأبحاث التي اشتغل بها الإنسان, لأنه يبحث في شيء أكبر منه بكثير, وأقدم منه بزمن طويل. ومنذ أن بدأ هذا البحث وهو محكوم بالمستوى العلمي الذي يصل له الإنسان, لذا فإن نتائج البحث في القرون الأولى والوسطى في بدايات التقدم العلمي تكاد لا تذكر بجانب ما توصل له الإنسان في العصور الحديثة وبالذات بعد منتصف القرن العشرين.
لكن الظاهرة الملفتة للنظر في هذا السياق أن القرآن الكريم ذكر إشارات عن نشوء الكون وبدايته ونهايته, هذه الإشارات لم تستوقف العلماء في ذلك الزمان سوى مرور سريع على ظاهر المعاني اللغوية, لكنها استوقفت علماء العصر الحديث المسلمين منهم وغير المسلمين, استوقفتهم طويلا لأنها توافقت مع الحقائق العلمية التي توصلوا لها, واقتربت كثيرا من أشهر النظريات السائدة حول نشوء الكون وطبيعته وبدايته ونهايته.
بحث العلماء في هذه القضية منذ زمن طويل يصل إلى ما قبل الميلاد, لكن هذه الأبحاث غلب عليها طابع البحث الفلسفي النظري, وحكمها غالبا المعتقد الديني, وبقي الأمر على هذا الحال حتى بدايات القرن التاسع عشر حيث يذكر الأستاذ الدكتور زغلول النجار -وهو من أشهر المتخصصين في هذا المجال- أنه في سنة (1914) اكتشف الفلكي الأمريكي (سلايفر) أن معظم المجرات التي قام برصدها تتباعد عن مجرتنا المسماة سكة التبانة وعن بعضها البعض بسرعات كبيرة, الأمر الذي دفع الفلكيين إلى دراسة هذه الظاهرة, والبحث فيما إذا كان يمكن أن يؤدي تباعد هذه المجرات إلى تمدد الكون المدرك؟
وبعد دراسات طويلة وحسابات دقيقة ثبت أن تباعد المجرات يؤدي إلى توسع الكون المدرك, وهذه النتيجة أثارت جدلا واسعا بين علماء الفلك, فانقسموا فيها بين مؤيد ومعارض, حتى ثبتت ثبوتا قاطعا بالعديد من المعادلات الرياضية والقراءات الفلكية. وفي سنة (1917) أطلق (ألبرت أينشتاين) نظريته عن النسبية العامة لشرح طبيعة الجاذبية, وبتطبيق هذه النظرية على الكون أشارت إلى أن الكون الذي نحيا فيه غير ثابت, فهو إما أن يتمدد أو ينكمش وفقا لعدد من القوانين المحددة له, وعلى إثر ذلك قام العالم الهولندي (وليام دي سيتر) بنشر بحث في نفس السنة (1917) استنتج فيه حقيقة تمدد الكون انطلاقا من النظرية النسبية ذاتها. وفي سنة (1925) أثبت (سلايفر) -الذي اكتشف في عام (1914) أن المجرات تتباعد- أن أربعين مجرة قام برصدها تتحرك فعلا وبسرعات فائقة متباعدة عن مجرتنا وعن بعضها البعض. ومنذ ذلك التاريخ بدأ نظرية اتساع الكون تلقى قبولا من الأوساط العلمية. إلى أن ثبت من خلال أجهزة متطورة وقوانين علمية ومعادلات فيزيائية ورياضية ثبتت بعد شغل طويل.
ذلك لم يكن منه شيء يذكر يوم نزل القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, لكن المثير للانتباه والاستغراب والدهشة بل والإعجاب أن القرآن ذكر إشارات صريحة واضحة تشير إلى هذه الظاهرة وذلك في قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)(الذريات:47), فقوله تعالى: (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) إشارة صريحة واضحة إلى حقيقة توسع الكون.
إن ثبوت حقيقة توسع الكون جعلت العلماء يسلمون بحقيقة أن الكون متحرك, وأنه غير ثابت كما كان يظن بعضهم, وهذا قادهم إلى قبول الحقيقة التي طالما نبه إليها القرآن الكريم, وهي أن الكون مخلوق له بداية وله نهاية, وأنه مر بمرحلة نشوء وسيصل إلى مرحلة فناء, وهي حقيقة طالما تهرب منها بعض العلماء اللادينيين أمثال (أينشتاين) – كما يذكر الدكتور زغلول النجار- مكتشف النظرية النسبية التي تشير إلى أن الكون غير ثابت, فهو إما أن يتمدد أو ينكمش, وذلك عكس ما كان يعتقد هو وجميع معاصريه من الفلكيين وعلماء الفيزياء النظرية, انطلاقا من محاولاتهم اليائسة لمعارضة الخلق, لأجل ذلك عمد إلى إدخال معامل من عنده أطلق عليه اسم الثابت الكوني, ليلغي حقيقة تمدد الكون من أجل الادعاء بثباته واستقراره, ثم عاد ليعترف بأن تصرفه هذا كان أكبر خطأ علمي اقترفه في حياته.
كما أن ثبوت حقيقة توسع الكون جعلت العلماء يعودون إلى قضية نشوء الكون, ليجدوا أننا لو عندنا بهذا الاتساع إلى الوراء فلا بد أن يتصاغر الكون إلى أن نصل إلى مرحلة كان الكون فيها جرما واحدا, وفي هذا السياق يذكر الدكتور زغلول النجار أن هذه النظرية قد تطورت بعد التطورات الكبيرة التي شهدتها الإنسانية في بداية القرن العشرين في المجال الفلكي, وساعدت على وضع نظرية لنشوء الكون, ففي عام (1927) عرض العالم البلجيكي (جورج لو ميتر) نظرية الانفجار العظيم التي تقول بأن الكون كان في بدء نشأته كتلة غازية عظيمة الكثافة واللمعان والحرارة، ثم بتأثير الضغط الهائل الناشئ من شدة حرارتها حدث انفجار عظيم فجر الكتلة الغازية وقذف بأجزائها في كل اتجاه، فتكونت مع مرور الزمن الكواكب والنجوم والمجرّات, وفي عام (1989) أرسلت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) قمرها الاصطناعي والذي أرسل بعد ثلاث سنوات معلومات دقيقة تؤكد نظرية الانفجار العظيم.
وهنا نجد القرآن أشار بدقة إلى ما أثبته العلم الحديث قبل أربعة عشر قرنا يوم لم يكن عند الناس من الأجهزة الفلكية والأقمار الصناعية شيء, الأمر الذي يثير في المرء الدهشة ويحرك فيه نوازع الإيمان بالله الخالق, وبالقرآن الذي أنزله, وذلك في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ)(الأنبياء:30), وقوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)(فصلت:11), إذ تفيد المعاجم اللغوية والتفاسير أن الرتق يعني الضم والفتق يعني الشق وعليه فإن قوله تعالى (كَانَتَا رَتْقاً) يعني من الناحية اللغوية أن السماوات والأرض كانتا كتلة واحدة ملتئمة أو ملتحمة, وقوله تعالى: (فَفَتَقْنَاهُمَا) يعني شققناهما, وقد نقل بعض المفسرين المسلمين القدماء منهم الطبري المتوفى سنة (310هـ) عن بعض الصحابة أن الرتق والفتق في الآية يعني أن السماوات والأرض كانتا شيئاً واحداً ملتصقتين ففصل الله بينهما ورفع السماء إلى حيث هي، وأقرّ الأرض.
أما قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) فيشير إلى أن السماوات والأرض في بداية نشوئهما كانتا كتلة من الدخان, وقد ثبت ذلك علميا من خلال الصور التي التقطتها المركبات الفضائية لبقايا الدخان الكوني الناتج عن عملية الانفجار العظيم على أطراف الجزء المدرك من الكون, وهو بقايا حالة دخانية معتمة سادت الكون قبل خلق السماوات والأرض.
أما عن نهاية الكون فإن حقيقة توسع الكون والحقائق العلمية الأخرى في هذا المجال تفيد بأن الكون سيستمر في التوسع إلى أقصى حد تبلغه طاقته, ثم يتوقف هذا التوسع لتبدأ مرحلة أخرى هي مرحلة الانسحاق, وهذه أشهر النظريات التي تناقش قضية نهاية الكون وفنائه, ومن إعجاز القرآن العلمي أنه أشار إلى هذه القضية وذلك في قوله تعالى: :(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)(الأنبياء:104), والحديث في الآية عن نهاية الحياة الدنيا التي تكون بطي السماء كما يطوى الكتاب, والطي في اللغة ضم جزء الشيء إلى جزئه الآخر وهو ضد النشر وهذا المعنى قريب من معنى الرتق الوارد في قوله تعالى (كَانَتَا رَتْقاً), والمعنى أن الحياة الدنيا سوف تنتهي وعندها تضم أجزاء الكون بعضها إلى بعض, كما تضم أوراق الكتاب بعضها إلى بعض, وهذا الكلام موافق لنظرية الانسحاق العظيم, وقوله تعالى (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ), يشير إلى أن نهاية الكون تعيده إلى حالة البداية وهي مرحلة ما قبل الانفجار العظيم, أو مرحلة الرتق الواردة الذي أشار له قوله تعالى:أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا).
ظاهرة اتساع الكون
الدكتور عماد الراعوش
كثيرا ما اشتغل العلماء في البحث في أصل الكون وكيفية تشكله, وما إذا كان له بداية ونهاية أم لا, ولا شك أن هذا البحث كان من أصعب الأبحاث التي اشتغل بها الإنسان, لأنه يبحث في شيء أكبر منه بكثير, وأقدم منه بزمن طويل. ومنذ أن بدأ هذا البحث وهو محكوم بالمستوى العلمي الذي يصل له الإنسان, لذا فإن نتائج البحث في القرون الأولى والوسطى في بدايات التقدم العلمي تكاد لا تذكر بجانب ما توصل له الإنسان في العصور الحديثة وبالذات بعد منتصف القرن العشرين.
لكن الظاهرة الملفتة للنظر في هذا السياق أن القرآن الكريم ذكر إشارات عن نشوء الكون وبدايته ونهايته, هذه الإشارات لم تستوقف العلماء في ذلك الزمان سوى مرور سريع على ظاهر المعاني اللغوية, لكنها استوقفت علماء العصر الحديث المسلمين منهم وغير المسلمين, استوقفتهم طويلا لأنها توافقت مع الحقائق العلمية التي توصلوا لها, واقتربت كثيرا من أشهر النظريات السائدة حول نشوء الكون وطبيعته وبدايته ونهايته.
بحث العلماء في هذه القضية منذ زمن طويل يصل إلى ما قبل الميلاد, لكن هذه الأبحاث غلب عليها طابع البحث الفلسفي النظري, وحكمها غالبا المعتقد الديني, وبقي الأمر على هذا الحال حتى بدايات القرن التاسع عشر حيث يذكر الأستاذ الدكتور زغلول النجار -وهو من أشهر المتخصصين في هذا المجال- أنه في سنة (1914) اكتشف الفلكي الأمريكي (سلايفر) أن معظم المجرات التي قام برصدها تتباعد عن مجرتنا المسماة سكة التبانة وعن بعضها البعض بسرعات كبيرة, الأمر الذي دفع الفلكيين إلى دراسة هذه الظاهرة, والبحث فيما إذا كان يمكن أن يؤدي تباعد هذه المجرات إلى تمدد الكون المدرك؟
وبعد دراسات طويلة وحسابات دقيقة ثبت أن تباعد المجرات يؤدي إلى توسع الكون المدرك, وهذه النتيجة أثارت جدلا واسعا بين علماء الفلك, فانقسموا فيها بين مؤيد ومعارض, حتى ثبتت ثبوتا قاطعا بالعديد من المعادلات الرياضية والقراءات الفلكية. وفي سنة (1917) أطلق (ألبرت أينشتاين) نظريته عن النسبية العامة لشرح طبيعة الجاذبية, وبتطبيق هذه النظرية على الكون أشارت إلى أن الكون الذي نحيا فيه غير ثابت, فهو إما أن يتمدد أو ينكمش وفقا لعدد من القوانين المحددة له, وعلى إثر ذلك قام العالم الهولندي (وليام دي سيتر) بنشر بحث في نفس السنة (1917) استنتج فيه حقيقة تمدد الكون انطلاقا من النظرية النسبية ذاتها. وفي سنة (1925) أثبت (سلايفر) -الذي اكتشف في عام (1914) أن المجرات تتباعد- أن أربعين مجرة قام برصدها تتحرك فعلا وبسرعات فائقة متباعدة عن مجرتنا وعن بعضها البعض. ومنذ ذلك التاريخ بدأ نظرية اتساع الكون تلقى قبولا من الأوساط العلمية. إلى أن ثبت من خلال أجهزة متطورة وقوانين علمية ومعادلات فيزيائية ورياضية ثبتت بعد شغل طويل.
ذلك لم يكن منه شيء يذكر يوم نزل القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, لكن المثير للانتباه والاستغراب والدهشة بل والإعجاب أن القرآن ذكر إشارات صريحة واضحة تشير إلى هذه الظاهرة وذلك في قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)(الذريات:47), فقوله تعالى: (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) إشارة صريحة واضحة إلى حقيقة توسع الكون.
إن ثبوت حقيقة توسع الكون جعلت العلماء يسلمون بحقيقة أن الكون متحرك, وأنه غير ثابت كما كان يظن بعضهم, وهذا قادهم إلى قبول الحقيقة التي طالما نبه إليها القرآن الكريم, وهي أن الكون مخلوق له بداية وله نهاية, وأنه مر بمرحلة نشوء وسيصل إلى مرحلة فناء, وهي حقيقة طالما تهرب منها بعض العلماء اللادينيين أمثال (أينشتاين) – كما يذكر الدكتور زغلول النجار- مكتشف النظرية النسبية التي تشير إلى أن الكون غير ثابت, فهو إما أن يتمدد أو ينكمش, وذلك عكس ما كان يعتقد هو وجميع معاصريه من الفلكيين وعلماء الفيزياء النظرية, انطلاقا من محاولاتهم اليائسة لمعارضة الخلق, لأجل ذلك عمد إلى إدخال معامل من عنده أطلق عليه اسم الثابت الكوني, ليلغي حقيقة تمدد الكون من أجل الادعاء بثباته واستقراره, ثم عاد ليعترف بأن تصرفه هذا كان أكبر خطأ علمي اقترفه في حياته.
كما أن ثبوت حقيقة توسع الكون جعلت العلماء يعودون إلى قضية نشوء الكون, ليجدوا أننا لو عندنا بهذا الاتساع إلى الوراء فلا بد أن يتصاغر الكون إلى أن نصل إلى مرحلة كان الكون فيها جرما واحدا, وفي هذا السياق يذكر الدكتور زغلول النجار أن هذه النظرية قد تطورت بعد التطورات الكبيرة التي شهدتها الإنسانية في بداية القرن العشرين في المجال الفلكي, وساعدت على وضع نظرية لنشوء الكون, ففي عام (1927) عرض العالم البلجيكي (جورج لو ميتر) نظرية الانفجار العظيم التي تقول بأن الكون كان في بدء نشأته كتلة غازية عظيمة الكثافة واللمعان والحرارة، ثم بتأثير الضغط الهائل الناشئ من شدة حرارتها حدث انفجار عظيم فجر الكتلة الغازية وقذف بأجزائها في كل اتجاه، فتكونت مع مرور الزمن الكواكب والنجوم والمجرّات, وفي عام (1989) أرسلت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) قمرها الاصطناعي والذي أرسل بعد ثلاث سنوات معلومات دقيقة تؤكد نظرية الانفجار العظيم.
وهنا نجد القرآن أشار بدقة إلى ما أثبته العلم الحديث قبل أربعة عشر قرنا يوم لم يكن عند الناس من الأجهزة الفلكية والأقمار الصناعية شيء, الأمر الذي يثير في المرء الدهشة ويحرك فيه نوازع الإيمان بالله الخالق, وبالقرآن الذي أنزله, وذلك في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ)(الأنبياء:30), وقوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)(فصلت:11), إذ تفيد المعاجم اللغوية والتفاسير أن الرتق يعني الضم والفتق يعني الشق وعليه فإن قوله تعالى (كَانَتَا رَتْقاً) يعني من الناحية اللغوية أن السماوات والأرض كانتا كتلة واحدة ملتئمة أو ملتحمة, وقوله تعالى: (فَفَتَقْنَاهُمَا) يعني شققناهما, وقد نقل بعض المفسرين المسلمين القدماء منهم الطبري المتوفى سنة (310هـ) عن بعض الصحابة أن الرتق والفتق في الآية يعني أن السماوات والأرض كانتا شيئاً واحداً ملتصقتين ففصل الله بينهما ورفع السماء إلى حيث هي، وأقرّ الأرض.
أما قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) فيشير إلى أن السماوات والأرض في بداية نشوئهما كانتا كتلة من الدخان, وقد ثبت ذلك علميا من خلال الصور التي التقطتها المركبات الفضائية لبقايا الدخان الكوني الناتج عن عملية الانفجار العظيم على أطراف الجزء المدرك من الكون, وهو بقايا حالة دخانية معتمة سادت الكون قبل خلق السماوات والأرض.
أما عن نهاية الكون فإن حقيقة توسع الكون والحقائق العلمية الأخرى في هذا المجال تفيد بأن الكون سيستمر في التوسع إلى أقصى حد تبلغه طاقته, ثم يتوقف هذا التوسع لتبدأ مرحلة أخرى هي مرحلة الانسحاق, وهذه أشهر النظريات التي تناقش قضية نهاية الكون وفنائه, ومن إعجاز القرآن العلمي أنه أشار إلى هذه القضية وذلك في قوله تعالى: :(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)(الأنبياء:104), والحديث في الآية عن نهاية الحياة الدنيا التي تكون بطي السماء كما يطوى الكتاب, والطي في اللغة ضم جزء الشيء إلى جزئه الآخر وهو ضد النشر وهذا المعنى قريب من معنى الرتق الوارد في قوله تعالى (كَانَتَا رَتْقاً), والمعنى أن الحياة الدنيا سوف تنتهي وعندها تضم أجزاء الكون بعضها إلى بعض, كما تضم أوراق الكتاب بعضها إلى بعض, وهذا الكلام موافق لنظرية الانسحاق العظيم, وقوله تعالى (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ), يشير إلى أن نهاية الكون تعيده إلى حالة البداية وهي مرحلة ما قبل الانفجار العظيم, أو مرحلة الرتق الواردة الذي أشار له قوله تعالى:أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا).